القلب والفؤاد

السويداء صورة وخبر ـ مقتطفات من كتاب نور الإله من سلسلة نور التوحيد ـ الشيخ سعود منذر
القلب والفؤاد
خمسة عشر آية في القرآن الكريم جاء فيها لفظ الفؤاد، وهو في أهميته لا يقل عن أهمية القلب ودوره، بل أنه يؤكد المعاني التي يتضمنها لفظ القلب، من حيث التعبير عن العقل وارتباطه بالمسؤولية واشتراكه مع الحواس في العمل.
خلق اللـــه سبحانه الإنسان وجعل له السمع والبصر والفؤاد ليستعين بهم على المعرفة، فيشكر نعمة اللـــه ويؤمن به، ويطيعه، ولكن الإنسان الكافر يجحد هذه النعمة فلا يستفيد من وجود هذه القدرات والملكات فيعطلها ويجحد بآيات اللــه سبحانه.
“وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”
(78)النحل
“وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” الأحقاف 26.
فالفؤاد مسؤول، حيث يحذّر القرآن الإنسان من تتبّع أسرار الآخرين لأنّ سمعه وبصره وفؤاده مسؤول عن ذلك وسيشهدون عليه يوم القيامة. في سورة الإسراء يقول ربّ العالمين في الآية 36: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا”.
وها هو إبراهيم، بعد أن ترك ابنه إسماعيل مع أمّه هاجر في الصّحراء، يدعو ربّه فيقول: “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” إبراهيم 37
وعندما يُصغي ضعيف الإيمان إلى وسوسة الشّيطان وهو يغريه بزخرف القول، يُسند الإصغاء إلى الأفئدة:
“وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ” الأنعام 113
لفظ الصّدر في القرآن
جاء في إحدى وأربعين آية، واستُعْمل مكان لفظ القلب من باب الاستعارة، إذ أنّ الصّدر هو محلّ القلب، ولأنّنا لا نستطيع اعتباره من المترادفات لهذا يطلق على القلب الصّدر مجازاً، وقول موسى يدعو ربّه: “قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي” طه 25. وفي مكان آخر يخاطب ربّه فيقول: “قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ* وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ”
الشعراء 12-13
وهناك أمور ارتبطت بالصّدر وأوصاف عرف بها منها:
1- الغلُّ في الصّدر “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ…..” الأعراف 43
2- وسوسة الشّيطان “الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ”
النّاس 5
3- أعمال الإنسان “وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ”
العاديات 10، أي في يوم القيامة.
4- رغبات النّاس “وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ” غافر80
5- الرّهبة “لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ” الحشر 13
6- العطاء السّمح “…… وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”
الحشر 97
7- لا يُحاسَبُ إنسانٌ مكانَ إنسانٍ “…… وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” الزمر 7
القلب في الصدر
الإنسان لا يحمل قلبين في جوفه، ومكان القلب هو الصّدر وهذا شيء بديهي، ولكنّ القرآن يؤكّد هذا المعنى” لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” وهذا يفسّر استخدام الصدر مكان القلب أحياناً كثيرة.
ولكن هل المقصود من القلب على هذا الأساس هو العضو نفسه؟ أم إنّ المقصود هو شيء أعمق من هذا وأشمل وأوسع؟ هل المقصود في القلب هو النّفس البشريّة ككلّ ويكنى عنها بالعقل أو اللُبّ أو الفؤاد أو الصّدر؟ أم المقصود هو ذات القلب أو ذات العقل؟
هذا ما نحتاج إلى معرفته لأنّ استخدام الجزء وإرادة الكلّ هو أحد أساليب اللغة العربيّة، والتّعبير بمختلف الألفاظ عن تلك القوّة أو الملكة التي تتشكّل بها أعمال الإنسان وتصرّفاته من خير أو شرٍّ، سواء كان باستخدام الألفاظ والتي تدلّ على الفكر المجرّد كالعقل واللبّ أو التي تدلّ على النّفس وما يتّصل بها من أحاسيس ومشاعر كالقلب والفؤاد. يؤكّد لنا أنّ القرآن الكريم ينظر إلى الإنسان نظرة شاملة لكلّ قواه وملكاته.
واستخدام القلب باعتباره المركز الرئيسي في الإنسان والذي تتّصل به قضايا الحياة والموت، والصّحة والضّعف، والحبّ والكره، والرّغبة والرّهبة، وكلّ ما يتّصل بالفكر أو العاطفة، يشبه إلى حدٍّ كبير استخدام لفظ النّفس في القرآن وهو يعنى الكائن الحيّ عقلاً وفكراً وحسّاً وشعوراً، ويعنى كلّ ما يتّصل به أيضاً من إرادة الخير أو إرادة الشّر.
ولمّا كان القلب يقع من النّفس البشريّة في صميمها فإنّنا لا نستطيع أن نقول إنّه العقل مجرّداً، إذ يبدو المعنى في غاية الضّيق هنا، ولكنّنا نستطيع أن نقول إنّ القلب أعمق وأشمل، لأنّ القرآن أسند إليه وظائف تتّصل بالتّفكير والعقل تارة، وأسند إليه وظائف تتّصل بالإلهام والإحساس والمشاعر الفيّاضة التي تعبّر عن ضمير الإنسان ووجدانه.
إنّه البصيرة التي تكون عند خاصّة المؤمنين والأتقياء والصّالحين، وإنّه الفطرة التي فُطر النّاس عليها.
خلاصة:
بين مفهوم العقل ومفهوم القلب في القرآن، يمكننا أن نقول إنّنا لا نستطيع أن نؤيّد القول الذي جاء به العلماء من أنّ القلب هو العقل وإلاّ لكان العكس صحيحاً، أيْ كان العقل هو القلب لكلّ المعاني التي تتّصل بالمشاعر والأحاسيس والعواطف الإنسانيّة، بينما يقتصر العقل على التّفكّر والتّأمّل والدّراسة والفهم والمعرفة.
فحقيقة الأمر أنّ قلب الإنسان الحقيقيّ الذي يتمّ الحديث عنه في الكتب الدّينيّة ليس هو القلب الماديّ الموجود في الجسم الماديّ للإنسان بل هو القلب لحقيقة الإنسان غير المرئيّة التي لا تموت. والقلب موجود في مركز نفس الإنسان الجزئيّة، ونفس الإنسان مرتبطة بسيّدها العقل الجزئيّ في الإنسان فنقول بما أنّ النّفس البشريّة قابلة للخير وللشّرّ، والقلب في مركزها فإذا صفي هذا القلب من الخبائث، واتّصل بالعقل، فإنّه يستنير بنور العقل الذي هو من نور الإله ، فتصفى النّفس وسائر الجسم، ويصبح القلب والجسم يَعِمُّهُما نور العقل الذي هو من نور الإله أمّا الرّوح فهي غير النّفس وغير العقل، فهي النّفحة الإلهيّة التي تعمّ حقيقة الإنسان وبالتّالي عندما تدخل حقيقة الإنسان في الجسم الماديّ، فإنَّ هذه الرّوح تعطيه الحياة، وبخروج حقيقة الإنسان من الجسد في حالة الموت، فإنَّ الرّوح ملازمة لهذه الحقيقة فتخرج معها، وبالتّالي هذا الجسد الماديّ يفقد الحياة، ومن ثم يتحلّل ويعود إلى أصله، وحقيقة الإنسان تدخل في جسد مولود جديد (التقمص)، وتبدأ مرحلة من الحياة جديدة. فقلب الإنسان الحقيقيّ مركز لنور العقل وبالتّالي هو هيكل العقل وبيته، فيجب أن يكون القلب موحّداً ليكون مقدّساً أمّا إذا كان هذا القلب تملأه الخبائث فإنّه في حالة ظلام ونور العقل ينحسر ويكمن، فيصبح هيكلاً للضّدّ (إبليس)، والنّفس غارقة في نار الشّهوات، ومحجوبة عن سيدها العقل، والظّلمة تعمّ الجسم بأكمله، فصاحب هذا القلب هو كافرٌ بإمام النّور (العقل) ومؤمن بإمام (الظّلمة) إبليس. فصاحب هذا القلب كافرٌ في الإله حتّى لو اقرَّ بوحدانيّته لأنّه خالف أمره، لأنَّ المولى جلَّ وعلا جعل العقل الكليّ هو إمام هذا الكون، وعلى كلّ من أراد التّوحيد إتّباعه لأنّه نور منه، وكلمته وصفيه وهو باب التّوحيد والوسيلة لرحمته وهو الآمر والنّاهي في الكون وهو صاحب القيامة وصاحب الحساب.

تطلب المجموعة من دار الغطريف للنشر والترجمة ـ شرقي المحافظة 999047550 963+