المضافات عنوان للكرم ومدرسة لتعليم القيم في السويداء
السويداء صورة وخبر ـ تقرير عمر الطويل
تحمل المضافات في محافظة السويداء خصوصية ارتبطت بعادات، وتقاليد أهلها، وشكلت على مر الزمن عنواناً للكرم ومدرسة لتعليم القيم والمبادئ، كما لعبت دوراً اجتماعياً هاماً في حياة أبناء المحافظة، واستقبال القاصدين، وحماية المستجير، والدخيل، وإيواء المحتاجين وفق التقاليد المعروفة.
والمضافات رغم تراجع دورها خلال السنوات الماضية جراء تعقد الحياة الاجتماعية، ودخول مفاهيم، وأفكار حديثة غريبة عن مجتمعاتنا، وعدم قدرة أصحابها على التفرغ الكامل لخدمتها، وتأمين مستلزماتها في ضوء ارتفاع تكاليف المعيشة مازالت تفتح أبوابها لاستقبال الضيوف، واجتماع العائلة أو الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء لتبادل الأحاديث، وحل المشاكل، والاتفاق على أمور الزواج، واحتضان حفلات الأفراح، ومناسبات التعازي، وغيرها من المسائل.
وكانت المضافة قديماً عبارة عن أكبر غرفة غالبا في الدار يتمتع مدخلها بنوع من الاستقلالية حرصاً على راحة الضيوف، وضمنها مسطبة على محيط الجدران تسمى “الطواطي”، وتكون بارتفاع (٦٠ إلى ٧٠) سنتيمتر، وبعرض حوالي (٨٠) سنتيمتر؛ لأنها كانت تُستخدم للنوم، وتُفرش بالبسط أو السجاد، وتوضع الفرش فوقها لاستقبال الضيوف، كما تميزت في القدم بأرضيتها الطينية، ونوافذها المتقابلة الكثيرة، وسقوفها العالية على شكل قناطر حجرية تصل بينها أحجار مستطيلة فضلاً عن جدرانها المكسية بالطين الأحمر الداكن المخلوط بالتبن.
كما كانت تزين جدران المضافة عادة بسيوف، وخناجر، وصور أفراد العائلة، والرموز الدينية، والوطنية، وتبرز في وسطها طاولة الضيافة التي تعكس كرم أبناء المحافظة، إضافةً لوجود خوابي مياه إما داخلها أو عند مدخلها.
وما ميّز المضافة والضيافة فيها في جبل العرب تقديم القهوة المرة للضيوف بعد دخولهم إليها، حيث يوجد فيها الفناجين، والأدوات اللازمة لإعدادها لتقدم للضيوف ساخنة وفق الأصول المتبعة، كما كان يقدم فيها المنسف/الطعام التقليدي/ ويدعى إليه الضيوف أولاً، ثم الحاضرون حسب موقعهم الاجتماعي، يليهم عائلة أصحاب المضافة.
وحملت المضافات في السويداء آداب، وأعراف كان يجب التقيد بها، ومنها ملاقاة صاحبها “المعزب” للضيف إلى بابها، وإدخاله إليها أمامه، والترحيب فيه، وتقديم القهوة المرة له قبل أن يدور الحديث، إضافةً لعدم الهزل في الحديث، وحسن الاستماع، والجلوس فيها بأدب، وتواضع، وتكريس الوقت لتلبية احتياجات الضيف، وعدم لفظ الشتائم والكلمات النابية أو التكلم عن خصوصيات الناس، والوقوف لكل من يدخل إليها حتى يأخذ مكاناً للجلوس، وبقاء صاحبها واقفاً يرحب بضيوفه إلى أن يسمحوا له بالجلوس، وعدم مغادرة الجالس فيها قبل الاستئذان من صاحبها، ومن يكون فيها.مضافات عديدة اشتهرت بها محافظة السويداء في مختلف مدنها، وقراها وما زالت موجودة، ومحافظة على وضعها القديم إلى يومنا هذا.