المكتبة التي لا تكتمل ـ قصة قصيرة

السويداء صورة وخبر ـ مقتطفات من المجموعة القصصية كريما بيضاء للكاتب فراس المحيثاوي

((1))

هذا اليوم لن أبيع سعادتي لأحد؛ فقد استلمت مبلغاً جيّداً،

مما سيمكّنني من تكوين نواة المكتبة التي طالما حلمتُ بها، سأشتري كتباً كثيرة،

وسأختار عناوينَ قيّمة، فخبرتي في مساومة باعة كتب الأرصفة ليست ضئيلة،

صحيحٌ أنّ هذه الكتب غالباً ما تكون بلا غلاف،

أو متآكلةٌ أطراف صفحاتها، أو حتّى شبه مهترئة، لكنّ كلّ ذلك لا يهمّ طالما أنّ متن الكتاب يبقى سليماً.

أعشق الكتب عموماً، أمّا كتب الأرصفة فما انفكّت تشغفني حبّاً،

أدمنت رائحة الورق الأسمر، وهمت برسوم أغلفة الكتب القديمة،

أمّا تلك التصميمات التي يضعونها حالياً والتي يطلقون على مبتكرها لقب ديزاينر فلم تكُ تجذبني البتّة.

لطالما خلب لبّي أن أقرأ جملة من قبيل: (الطبعة الأولى 1957).

((2))                          

بدأت جولتي في العاشرة صباحاً، على الناصية المقابلة لوكالة (سانا)،

عثرت على (مستعمرة العقاب) لكافكا، أعجبني هذا الكاتب؛ مذ قرأت تحفته الأدبيّة الخلابة (المسخ).

وضعت الكتاب تحت إبطي ورحت أجوس مجدّداً بين الكتب إلى أن وقعت عيناي على كتاب تلقّفته بفرح!

إنّه الجزء الأول من رواية (أبناء وعشاق) لدي إتش لورنس،

لقد اشتريت الجزء الثاني منذ خمسة أعوام أمّا الجزء الثالث فلم أحصل عليه إلا منذ بضعة شهور.

ذهبت إلى صاحب البسطة، واشتريت الكتابين بعد مساومة ليست يسيرة.

ورحت أتنقّل منقّباً بصبر، ركعت أمام كلّ بسطة دون أن أعبأ بنظرات السابلة الهازئة،

أخذت أنتقي الكتاب النفيس من بين أكوام الكتب الغراميّة التجاريّة، وكتب السحر والشعوذة، وكتب الأبراج والطبخ.

كنت كلّما وجدت كتاباً قيّماً، أنظر إليه بِوَلَه، متشمّماً ورقه البالي ذا الرائحة الحرّيفة.

وعندما دفعت آخر ليرة لديّ، كانت الساعة تشير إلى الرابعة مساء،

فاتّجهت إلى المحطة وركبت الحافلة،

وما أن جلست على المقعد حتّى أخذت أستعرض العناوين التي انتقيتها بغبطة عارمة:

(الإنجيل بحسب يسوع المسيح ـ قًصّة موت معلن ـ عوليس ـ المفسرون ـ …….).

قطع استغراقي لغط الركاب والسائق،

الذين أخذوا يتساءلون عن الشخص الذي لم يدفع أجرة الركوب، فمددت يدي تلقائيّاً إلى جيبي، ثمّ أخرجتها مذعوراً.

تذكّرت أنّني نسيت أن أبقي معي أجرة الركوب، فأخذ العرق يسيل منّي غزيراً، وغلبني الخجل، فلم أنبس.

 كشفني اضطراب ملامحي، وأخذ الركّاب ينظرون إليّ بازدراء ورمقني السائق شذراً، فبادلته بنظرة رجاء. عندما نزلت سمعت تعليقات شتّى، فابتعدت مسرعاً كمن يهرب من شبح.

((3))

دخلت إلى غرفتي، وما أن بدأت بترتيب الكتب، حتّى سمعت طرقاً مزعجاً على الباب، طرقاً أعرفه جيّداً.

سرت بخطى كوطء الهلام.. فتحت الباب، ورحت أصغي بهدوء جليدي إلى مالك الغرفة الذي يسكن في نفس البناء، والذي جاء مطالباً بالإيجار المستحق.

حقوق النشر محفوظة يرجى عدم الاقتباس أو الاستخدام دون موافقة دار النشر الخطية

تطلب المجموعة من دار الغطريف للنشر والترجمة ـ شرقي المحافظة 999047550 963+

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى