المنازل القديمة بالسويداء لون من عبق الماضي بذكريات ممتدة للحاضر
السويداء صورة وخبر ـ تقرير عمر الطويل
تمثل المنازل القديمة بالسويداء لوناً من عبق الماضي الممزوج بذكريات حاضرة لدى العديد من أبناء المحافظة الذين سكنوها، وعاشوا فيها، وصمموها آنذاك بما يخدم طبيعة حياتهم ومعيشتهم.
وبحسب الباحث في التراث المحلي /سلمان البدعيش/ فإن السكان الأوائل لجبل العرب القادمين من جبال حلب، ولبنان، وفلسطين استخدموا البيوت الرومانية القديمة التي كانت موجودة كما هي بدايةً، ثم لاحقاً أضاف إليها بعضهم جدران حسب الحاجة إلى أن بدأوا ببناء منازل خاصة بهم بحيث استخدم عدد منهم بالبناء الحجارة الرومانية فيما لجأ آخرون إلى الحجارة المقصبة.
والمنزل القديم كان يؤّمن كما ذكر الباحث البدعيش راحة العائلة وضيوفها، وكذلك المأوى للحيوانات؛ لأن أي بيت كان يوجد فيه حيوان يستخدمه الإنسان لتأمين طعامه كالبقرة أو لعمله، وتنقله كالحصان، والحمار، إضافةً لوجود مكان بجانب الدار اسمه “الصيرة” التي كانت تأوي الأغنام، والماعز.
وبيّن البدعيش أن البيت القديم كان يضم غرفة للمبيت، وغرفة للضيوف سميت بالمضافة، وتختلف مساحتها وحجمها حسب قدرة الإنسان المادية، وضمنها مسطبة على محيط الجدران تسمى “الطواطي”، وتكون بارتفاع (60 إلى 70) سنتيمتر ، وبعرض حوالي (80) سنتيمتر؛ لأنها كانت تُستخدم للنوم وتُفرش بالبسط أو السجاد، وتوضع الفرش فوقها لاستقبال الضيوف، كما تتميز بعدد، وأدوات القهوة، ووجود ركن بزاويتها توضع فيه.
كما كان يوجد بالمنزل القديم غرفة مخصصة للمؤونة تسمى بيت المونة، وتضم مختلف المواد التموينية التي كانت تستخدم للطعام من القمح، والبرغل، والعدس، والحمص، والملح، وكان هناك أوعية تُبنى من الطين ومنها ما يسمى ب ” الكوارة ” التي هي عبارة عن متوازي مستطيلات لها فتحة من الأعلى وأخرى ضيقة من الأسفل لوضع القمح ضمنها، وكذلك ما يسمى ب “المكور”، وشكله دائري، ومخروطي، ويوضع فيه الملح أو البرغل أو العدس لكن بكمية أقل من ” الكوارة ” إضافةً لوجود أدوات ضمن هذه الغرفة تُستخدم للطبخ، ومصنعة من النحاس مثل ” الطنجرة، والصحن، والملعقة، والدست “.
وفي غرفة العائلة ضمن البيت القديم كان يوجد إلى جانب باب الدخول وفقاً للبدعيش جدار بسيط بارتفاع المتر لحجب دخول الهواء بالشتاء بحيث كانت تُنصب داخله وسيلة التدفئة المسماة “ببور الجلي”، والجلي هو عبارة عن روث الحيوانات المجبول والمجفف بشكل كرات، وأمامه حفرة اسمها “الحارون” يوضع فيها الرماد، وارتفاع البيت يصل إلى نحو (5 أمتار) إضافةً لوجود طاقة لخروج الدخان كما كان يوجد بالقسطل المخصص للببور فتحة وفيها لسان من التنك يُستخدم للتحكم بالهواء، وبالتالي تقوية أو تخفيف النار مبيناً أنه للحصول على الجلي كان في زاوية البيت ما يسمى “مقباي” من مخلفات الحيوانات التي تجمع فيها بالصيف لفصل الشتاء، وتنشر وتدعك في فصل الربيع بالأرجل، وتأخذ شكل ناعم، ثم تُحّول لكرات تسمى “الطبوع”.
وكان يوجد في البيت ما يسمى “المطوى” لوضع “اللحف والفرش والمخد” ضمنه مع الحرص على بقاء قطع نظيفة مخصصة للضيوف مبيناً أن “اللحف” كانت تتألف من القالب والغشاوة، والملحفة التي هي غالباً من الخام أو المقصور بحالات استثنائية، وتُفك، وتُغسل بينما القالب يبقى دون غسيل حتى يهترأ.
وتُسمى الفسحة أمام المنزل القديم بأرض الدار، وكان يوجد فيها وفقاً للباحث البدعيش مسقى للدجاج، وهو عبارة عن حفرة محفورة بصخرة أو بحجر كبير، وتستوعب المياه التي تشرب منها الدجاجات، وكذلك يوجد مربط للحصان أو الفرس، ويحوي معلف يتم وضع الطعام فيه للراحلة، وخاصة إذا كان هناك ضيوف قادمين من خارج القرية إضافةً لوجود خابية لمياه الشرب توضع بزاوية في الجدار بعيداً عن أشعة الشمس كما تنتشر في فسحة الدار في غالبية المنازل أشجار التوت الأبيض أو الكينا في عدد منها كما يوجد حاكورة صغيرة لزراعة المساكب.
وعلى سياج الدار كما أوضح البدعيش كان يوجد بوابة تُغلق في المساء من أجل الحماية، والحفظ، وتتراوح بالصِغر والكِبر حسب الحالة المادية لصاحب الدار، ومنها صغيرة يدخل منها الإنسان، والحيوان الصغير، وأُخرى كبيرة يدخل منها الجمل.
وقديماً كان يلحق بالمنزل القديم للأشخاص الذين يعملون بالزراعة غرفة كبيرة تسمى “بالتبان”، وفي أعلى سطحها فتحة تسمى /روزنا/، ويصعد إلى التبان بدرج وإلى جانبه خارجاً ما يشبه المصطبة ويسمى بـ “المقرص”، وكانت تُوضع عليه خشية التبن أو كيس القمح عندما يُحضر من البيدر، إضافةً لوجود غرفة تسمى “بحاصل القمح”، وهي مطلية من الداخل بالكلس كنوع من التعقيم، والحفظ للقمح من التسوس، فضلاً عن وجود غرفة خارجية تسمى غرفة “التنور”، وتتم فيها عملية الخبيز.
وكانت الصحون، والملاعق تُوضع داخل البيت القديم بحسب الباحث البدعيش على رف موجود في أحد الجدران، ومبني من الطين، و”القصيب” كما كان يوجد ما يسمى بـ “مشكّة الملاعق”، وهي عبارة عن قطعة قماشية مستطيلة فيها فتحات بحيث تدخل في كل واحدة منها ملعقة، وكانت تعلق مع الشوك بالجدار، ويتم جلي الأواني، والأدوات بأرض الدار، ويُستخدم للتنظيف ماء الرماد الناتج عن حرق الجلي لإزالة الزفر عن الطناجر قبيل استخدام الماء، والصابون فيما كان الحمام خارجياً، وبدون تصريف.
واشتهرت المنازل القديم بتربية أصحابها لما يعرف بـ “المعاليف” التي هي رأس، ورأسان أو أكثر من المواشي يتم تسمينها، وذبحها فيما يُعرف بأيام الصليب للحصول منها على “القاورمة” أو ما يسمى بالدهنة لمؤونة السنة كون اللحم لم يكن متوفرا ًبشكل دائم.
وسقف البيوت القديمة كان يتم بناؤه كما ذكر البدعيش على مراحل من الخشب، و”القصيب” أو الحديد، و”القّصيب” الذي يفرش بالتعاكس فوق الجسور، ويثبت بخيطان “المصّيص”، ويوضع فوقه نباتٌ شوكي كثيف يسمى “عاقول” يُرصف إلى جانب بعضه لمنع تسرب التراب الذي يفرش بكميات وتم استبداله لاحقاً بنوع من الحصى الصغيرة، ويُدحل بالمدحلة التي تُجر بأداة تسمى “المعوس” حتى يَرص، وكي لا يلتصق بالمدحلة يرش عليه ما يسمى “العور” أي ما يخرج من التبن بعد كربلته، وكان السقف يُدحل مع كل شتوة، ولا بد من تسليط السطح لجهة ما، بحيث تسيل منهُ المياه نحو المزراب لاستخدامها.